يلاحظ المشتغلون بالتاريخ الإسلامي أن أصحاب الموسوعات التاريخية الذين عالجوا تاريخ الدولتين الأموية والعباسية بالتفصيل ، لم يعطوا العلاقات بين هاتين الدولتين من ناحية وعمان من ناحية أخرى حقها من العناية والإهتمام . أما الذين دونوا التاريخ العماني ومعظمهم من العمانيين أنفسهم ، فكان المفروض أن يتبعوا منهجا أكثر توسعا وتفصيلا في علاجهم لتاريخ عمان ، لكن يبدو أن هدفهم الأساسي لم يكن تدوين أحداث التاريخ ، بقدر ما كان رغبتهم في تدوين سير العلماء والأئمة الذين تمت مبايعتهم في عمان ، ومن خلال ذلك تطرقوا إلى ذكر تواريخ مبايعة الأئمة ووفياتهم ، ووفيات العلماء . أما الأحداث الهامة التي جرت في عهدهم والمشاكل التي واجهتهم وسبل حلها ، فقد جاء ذكرها في سياق كلامهم . ولذا عنوا في كتابتهم للتاريخ بالمنازعات والخلافات والمصادمات أكثر من سواها . ولما كانت غالبية هؤلاء الكتاب من العلماء الفقهاء الموالين للأئمة ، فإنهم لم يعنوا بسير من تولي حكم عمان من غير أولئك الأئمة ، حيث اعتبروهم جبابرة وطغاة لا تستحق عصورهم التدوين والتسجيل ، وتنطبق هذه الصفات على بني نبهان ، لأنهم كانوا ملوكا وليسوا أئمة ، ولذا وصفوهم بالطغاة والجبابرة ، حتى وإن كانوا اباضية على نفس المذهب ، مما ترتب عليه إهمال تاريخهم وعدم تسجيله .ولا أدل على هذا التجاهل لتاريخ بني نبهان ما ذكره الأزكوي : " فهذه مايتا سنة وبضع ، لم أجد فيهن تاريخا لأحد من الأئمة ، فالله أعلم أنها كانت سنين فترة عقد الإمامة ، أو غاب معرفة أسمائهم عنا "وأصناف " فلعلها كانت هذه السنون التي بين محمد بن خنبش و مالك بن الحواري . سنين ملك النباهنة ، ولعل ملكهم كان يزيد على خمسمائة سنة إلا أنه كان فيما بعد هذه السنين يعقدون للأئمة . والنباهنة ملوك في شيء من البلدان ، والأئمة في بلدان أخرى والله أعلم " . وهكذا فإن هذه الفترة التي خلت من وجود إمام في عمان ، لم تجد لها مكانا في ذاكرة التاريخ العماني ،باستثناء بعض الأحداث الهامة الخطيرة التي تخللتها ، والتي فرضت نفسها على أولئك الكتاب كالكوارث الطبيعية المدمرة والحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل ، أو الغزوات الخارجية التي تعرضت لها البلاد بين حين وآخر . ومن هذه الإشارات المتباعدة غير المترابطة التي نصادفها عن عهد بني نبهان ، إستطعنا أن نلقي الضوء على ذلك العهد . وعندما اهتم سلاطين آل بوسعيد ـ وبصفة خاصة السلطان سعيد بن سلطان في أواخر القرن الثالث عشر للهجرة ، التاسع عشر للميلاد ـ بتدوين التاريخ العماني ، اصطدم المؤرخون العمانيون بندرة المعلومات المتوفرة لديهم عن بني نبهان ، وكما أشار الأزكوي من قبل . علل ذلك ابن رزيق بقوله : " ومن الصعوبة ذكر ملوكهم بالتفصيل ، وذلك لكثرتهم ، فكل واحد منهم هو هو في الشان والسلطان " . وإذا كان هذا هو شأن ابن رزيق ، فما بالنا بالذين أخذوا ونقلوا عنه . وإن ما نقله فاروق عمر عن ولكنسون أنه لا بد وقد ظهر بين النبهانية أنفسهم من أرخ لهم ، ونجد صدى ذلك في بعض روايات السالمي عن تلك الفترة " . وحقيقة الأمر أن بني نبهان اباضية ، وليس كما ذكر ولكنسون وفاروق عمر ومن حذا حذوهما . كذلك عبر عن ندرة تلك المعلومات بعض الدارسين الأثريين إذ قالوا : " وأخبار دولة النبهانيين قليلة ، وقد اتسمت فترتهم بأنها فترة انعزال .. ما يزال فيها جوانب كثيرة تحتاج إلى مزيد من الجلاء والإيضاح " . ولكي نكون منصفين في حكمنا لا بد وأن نشيد بالمعلومات التي أوردها السالمي ، مستفيدا من ديواني الستالي والنبهاني ، ومن سيرة العالم الجليل ابن النظر ، المعاصر للملكين النبهانيين الأخوين خردلة وجبر ، إبني سماعة بن محسن . ثم جاء السيابي ونقل عنه هذه المعلومات وتوسع فيها بعض الشيء
يلاحظ المشتغلون بالتاريخ الإسلامي أن أصحاب الموسوعات التاريخية الذين عالجوا تاريخ الدولتين الأموية والعباسية بالتفصيل ، لم يعطوا العلاقات بين هاتين الدولتين من ناحية وعمان من ناحية أخرى حقها من العناية والإهتمام . أما الذين دونوا التاريخ العماني ومعظمهم من العمانيين أنفسهم ، فكان المفروض أن يتبعوا م...