تُحدث عمليات التنمية في المجتمعات القروية والريفية تحولات عميقة تشمل إعادة توزيع السكان، وتغيير أنماط العمران وأشكاله، والأنشطة الاقتصادية، أو ما يسمى “عملية التحضر”. وتختلف انعكاسات التنمية، سلبياً وإيجابياً، على التجمعات السكانية القروية بناءً على نمط التنمية الذي يعتمده المخططون وأصحاب القرار. ونظراً إلى أن عملية التنمية تهدف في الأساس إلى إحداث تغيير نحو الأفضل لمستوى العيش ولظروف حياة الإنسان ولأنماط تثمين الموارد المحلية، فإن تقييم انعكاسات هذه التنمية على المجتمعات المحلية يصبح أمراً ضرورياً لتقييم نمط التنمية ذاته، بغية إدراك أوجه النجاح ومواطن القصور فيه. في هذا الإطار النظري، تبحث هذه الدراسة في عملية التحضر الناتجة عن عملية التنمية المعاصرة في إقليم الجبل الأخضر بسلطنة عُمان، محاوِلةً رصد حركة السكان وتطورات العمران وتغير أنماط السكن في إقليم الجبل الأخضر المتكون من أكثر من ستين قرية جبلية، بهدف تقييم انعكاسات نمط التنمية المعتمد على مكوناته القروية وأنماطه العمرانية. اتبعت الدراسة المنهجين الكمي والوصفي، حيث تم تحليل البيانات الإحصائية المتعلقة بالسكان والمساكن والمرافق في قرى الجبل الأخضر. كما تم الاعتماد على الخرائط المتوافرة والملاحظة الميدانية والصور الفوتوغرافية والمقابلات الشخصية، ورسم عدد من الأشكال التي ساعدت على تحليل الظواهر وتوضيح النتائج. وقد توصلت الدراسة إلى أن عملية التنمية في الجبل الأخضر قد أحدثت تغييراً جذرياً في حياة الناس وفي أنماط العيش والعمران، ونقلت المنطقة من مجرد شتات قروي إلى ما يشبه تسلسلاً حضرياً يترأسه المركز الخدمي المحلي. كما وفرت عملية التنمية مقومات الحياة العصرية للسكان من خدمات ومرافق إدارية وتعليمية وصحية. غير أن درجة تفاعل مختلف القرى لم تكن بأنساق متقاربة، فمنها ما ربط علاقات بالمركز ونما محلياً في مجال جغرافي مختلف كلياً عن مجال النواة القروية القديمة، ومنها ما تم استقطابه فخلا من سكانه.
تُحدث عمليات التنمية في المجتمعات القروية والريفية تحولات عميقة تشمل إعادة توزيع السكان، وتغيير أنماط العمران وأشكاله، والأنشطة الاقتصادية، أو ما يسمى “عملية التحضر”. وتختلف انعكاسات التنمية، سلبياً وإيجابياً، على التجمعات السكانية القروية بناءً على نمط التنمية الذي يعتمده المخططون وأصحاب القرار. ...
مادة فرعية