هدفت هذه الدراسة التاريخية إلى سد ثغرة في تاريخ الفتوحات الإسلامية في العهد الأموي ، ومحاولة إلقاء الضوء على حياة مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، الأمير الأموي والمجاهد العربي الذي قضى جل حياته وأكثر أيام عمره في الجهاد والحرب ، من أجل تأمين الحدود الشمالية واستقرار الدولة الأموية ، هذا الدور الذي أوكل إليه منذ أيام والده عبد الملك بن مروان ، وخلال خلافة إخوته الوليد وسليمان ، وابن عمه عمر بن عبد العزيز وأخيه هشام بن عبد الملك . ونجد قلة من المؤرخين الأوائل والمحدثين عملت على دراسة هذه الشخصية وجمع أخبارها وفتوحاتها ، ولم يعره الكثير من الباحثين أهمية رغم دوره في القضاء على كثير من الثورات في أقاليم متعددة من الدولة ، ودوره في حصار القسطنطينية والتي رجع عنها بقرار من الخليفة عمر بن عبد العزيز فقط . وهؤلاء الذين حفلوا برواية أخبار مسلمة قلة ، وهم على قلتهم فقد اختلفت رواياتهم عنه ، وتضاربت لديهم فيه الأقوال ، وخاصة تلك المتعلقة بفتوحاته في الحدود الشمالية والشمالية الشرقية للدولة الأموية . ومن أجل الوصول للحقائق التاريخية التي تفرضها طبيعة موضوع هذه الدراسة ، من جمع لأخبار مسلمة من المصادر الأولية وفهمها وتحليلها بطريقة موضوعية منهجية ، ومحاولة الربط بين هذه الروايات ومقارنتها للوصول للحقيقة حول الحدث التاريخي ، وإعطاء تفصيلات أوضح فيما يتعلق بالأثر الكبير الذي كان لفتوحات مسلمة في هذه الجبهة الحساسة من الدولة الأموية ، فإن الباحثة اتبعت المنهج التاريخي القائم على التحليل والنقد للخروج بالنتائج المبتغاة لإيضاح الدور الكبير لقائد مسلم كبير . وتشمل هذه الدراسة على ثلاثة فصول بالإضافة للمقدمة والتمهيد والخاتمة ، حيث ستتناول الباحثة في الفصل الأول سيرة مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، من حيث نسبه ومولده ، تربيته ونشأته ، كنيته وألقابه ، صفاته ، أبناؤه وزوجاته ، ثم علاقته بأفراد البيت الأموي ، بدء ا بوالده الخليفة عبد الملك بن مروان ، مرورا بإخوته الخلفاء الوليد وسليمان ويزيد وهشام أبناء عبد الملك ، وعلاقته الخاصة كذلك بابن عمه الخليفة عمر بن عبد العزيز ، انتهاء ا بعلاقته بعدد من قيادات الدولة الأموية عسكريا وإداريا ، وفي نهاية الفصل تناولنا وفاته والمراثي فيه . أما الفصل الثاني فقد تناولنا فيه دور مسلمة بن عبد الملك في الحفاظ على الاستقرار الداخلي للدولة الأموية، وضم الفصل محورين رئيسين ، حيث يعالج الأول الأدوار الإدارية لمسلمة بن عبد الملك ، والذي قسمته الباحثة لأبع مراحل إدارية خلال فترات تاريخية متفاوتة ، أما الثاني فتناول قضاء مسلمة بن عبد الملك على الثورات الداخلية التي مرت بها الدولة الأموية ، والتي ساهم في القضاء عليها وإعادة الاستقرار للدولة كثورة شوذب الخارجي وثورة يزيد بن المهلب بن أبي صفرة . وتناول الفصل الثالث دور مسلمة بن عبد الملك العسكري في استقرار الحدود الشمالية والشمالية الشرقية للدولة الأموية ، والتي قسمته الباحثة لخمس مراحل مختلفة بدء ا بخلافة عبد الملك بن مروان وحتى خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان . وقد أوردت الباحثة فين خاتمة البحث عددا من النتائج ، أكدت فيها أن كل مرحلة من مراحل الحملات العسكرية التي قادها مسلمة ، سواء في بلاد الروم أو أرمينية و أذربيدجان هي صفحة مجيدة لوحدها ، ينبغي دراستها على حدة ، وقد لعب فيها مسلمة بن عبد الملك دورا لا يقل عن دور غيره من الأبطال الفاتحين كقتيبة بن مسلم الباهلي وعقبة بن نافع وغيرهما . ويحتل حصار القسطنطينية مكانة كبيرة ليس بالنسبة للتاريخ العسكري للدولة الأموية وإنما لتاريخ المد الإسلامي في أوروبا عامة ، فهذا الحصار رغم عدم نجاحه تحقيق نصر حقيقي ، إلا أنه كان حصارا عظيما هدد الروم وجعلهم يسعون بأنفسهم ـ حتى بعد رجوع مسلمة وجيشه ـ إلى عقد اتفاقيات الصلح والمهادنة مع الدولة الأموية . وخرجت الدراسة بنتيجة لم يؤكد عليها إلا القليل من المؤرخين الذين تحدثوا عن مسلمة ، وهي أن حياة مسلمة بن عبد الملك هي تجسيد لأخلاق فارس عربي وأمير نبيل ، لابد من إبرازها في ضوء ساطع سواء في جوانبها المختلفة . ومع رفعة مقامه لدى أهله ولدى العامة ، إلا أنه لم يسع إلى الخلافة لا بالقوة ولا بالسلم ، رغم أن عداد الجيوش التي كانت بيده يفوق الأربعين ألف ، ضاما به خيرة أمراء الجيش الأموي ، ولكن المتتبع لشخصيته يجد أن مسلمة بن عبد الملك رأى بالخلافة تكليف لا يستقيم له ، وإنما رباه أبوه على الصبر والقتال ، وأن الجهاد في سبيل الله خير له من أن يجلس على عرش لا يدوم له
هدفت هذه الدراسة التاريخية إلى سد ثغرة في تاريخ الفتوحات الإسلامية في العهد الأموي ، ومحاولة إلقاء الضوء على حياة مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، الأمير الأموي والمجاهد العربي الذي قضى جل حياته وأكثر أيام عمره في الجهاد والحرب ، من أجل تأمين الحدود الشمالية واستقرار الدولة الأموية ، هذا الدور الذي أوك...