حركة الطّباعة وأثرها في التّواصل الحضاري
حركة الطّباعة وأثرها في التّواصل الحضاري محرّم 1440هـ/3-4 اكتوبر 2018 المطبعة البارونيّة ودورها في نشر الكتاب اعداد: سعيد بن يوسف الباروني باحث في التّراث وحافظ المكتبة البارونيّة بجربة. المقدّمة : الكتابة من أعظم تجلّيات الوعي البشريّ الّتي عبّرت عن تفوّق الإنسان على المخلوقات الأخرى الكثيرة الّتي تعيش معه على الأرض. من خلال الكتابة تفرّد الإنسان بحفظ تاريخه ، ونقل تراثه الممتدّ في تجاربه الأولى إلى حاضره ، واحتضانه وحراسته وحمله إلى مستقبله وأجياله الآتية ، فلولا الكتابة لما وصلنا خبر الحضارات القديمة ، ولا إنجازاتها وآدابها وفنونها ، وهكذا لولا الكتابة لاندثر تاريخ النّبوّات وباد تراثها المقدّس ، وتوارى دورها وعطاؤها في تأريخ البشريّة ( ) لا شكّ أنّ اختراع آلة الطّباعة كان من الأسباب الرّئيسيّة لتقدّم النّهضة العلميّة والصّناعيّة في أوروبا، فمنذ ان اخترع الألماني جوتنبرج آلة الطّباعة عام 1450م ، بدأت آلاف المصنّفات تطبع في ربوع الدّول الأوروبيّة الّتي استفادت من تقنية الطّباعة لنشر كل ما يتعلّق بالعلوم بمختلف تخصّصاتها رغم أن البدايات كانت تركّز على الكتب ذات الطّابع الدّينيّ ولكن تجاوز كلّ هذا بطباعة مختلف العلوم لينتشر الكتاب بشكل كبير وتطوّرت النّهضة العلميّة لديهم بوعي الشّعوب بقيمة الطّباعة ممّا أدّى في الأخير إلى تمكنّهم من امتلاك العالم وكلّ الصّناعات والتّكنولوجيا إلى يومنا هذا. تمكّن مارتن روثفي فيما بعد من اختراع حروف اللّغة العربيّة لآلة الطّباعة عام 1468م، وهو العام نفسه الّذي طبع فيه أوّل كتاب أوروبيّ يحمل حروف اللّغة العربيّة والّذي نشره الألمانيّ بيرنهارد فون بريدنباخ مسطّرا فيه رحلته إلى فلسطين إلا ّأنّ العرب لم يستفيدوا من تقنية آلة الطّباعة الاّ في نهاية القرن الـ 18 ميلادي. الطّباعة في زنجبار: كانت البداية الفعليّة لاستخدام العمانيين لآلة الطّباعة حينما نجح السّلطان برغش بإنشاء المطبعة السّلطانية في زنجبار كأوّل مطبعة عمانيّة فعليّة عام 1880م حيث اشترى السّلطان مطبعة متكاملة من الآباء اليسوعيّين ببيروت وجلب لها فنّييّن في الطّباعة من لبنان لتشغيلها برفقة بعض من مثقّفي أهل عمان والمهتمّين بالنّشاط الفكريّ العمانيّ وتراثه كمشرفين على عمليّة الطّباعة ومراجعة ما يتمّ نشره ممّا أسهم بشكل كبير لتصبح زنجبار بيد العمانيّين درّة أفريقيا ومنارة علم يقصدها أهل الثّقافة والفنون. الطّباعة في مسقط بسلطنة عمان : دخلت آلة الطّباعة إليها لأوّل مرّة عن طريق الإرساليّة الأمريكيّة في مسقط عام 1895م وكان نشاطها مقتصرا على طباعة منشورات مشروع التّنصير الّذي فشل وفشلت معه المطبعة الّتي تمّ غلقها فيما بعد.( ) الطّباعة في مصر: ارتبط ظهور الطّباعة بحملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م اذ حمل معه ثلاث مطابع مجهّزة بحروف عربيّة ويونانيّة وفرنسيّة، وكان الهدف الأساسيّ هو طباعة المنشورات والأوامر، وكانت تقوم بعملها في عرض البحر، حتّى دخلت الحملة القاهرة، فنقلت إليها، وعرفت بالمطبعة الأهليّة ثم توقّفت بانتهاء الحملة الفرنسيّة عام 1801م، ولم يُعرف مصيرها. وفي عام 1819 أو 1821م أنشأ والي مصر محمّد علي باشـا (1184-1265هـ / 1770-1849م) مطبعة على أنقاض المطبعة الأهليّة، عُرفت بالمطبعة الأهليّة أيضًا، ثم نُقلت إلى بولاق، فعرفت بمطبعة بولاق، أو المطبعة الأميريّة، وكانت هذه المطبعة ثورة في عالم المعرفة، طبع فيها في مدّة وجيزة من عام 1289هـ إلى عام 1295هـ أكثر من نصف مليون كتابا، ولم تتوقّف خلال تسعين سنة من عملها المتواصل غير مدّة يسيرة بين عامي 1861 و 1862م بين عهدي محمّد علي والخديوي إسماعيل (1245-1312 هـ/ 1830-1895م). وبعد أربعين سنة من إنشاء مطبعة بولاق (الأميريّة) الّتي أسهمت إسهامًا كبيرًا في إثراء المعرفة الإنسانيّة بطبع روائع التّراث الإسلاميّ ونشرها، توالى ظهور بعض المطابع الأهليّة مثل: مطبعة الوطن عام 1860م، ومطبعة وادي النّيل عام 1866م، ومطبعة جمعيّة المعارف عام 1868م، والمطبعة الخيريّة بالجمّالية، والمطبعة العثمانيّة، والمطبعة الأزهريّة، والمطبعة الشّرفية أو الكاستليّة، والمطبعة الرّحمانيّة، وغيرها من المطابع. المطبعة البارونيّة بمصر: أنشأ سليمان الباروني في مصر مطبعةً وأصدر صحيفةَ الأسد الإسلامي عام 1907 فأشار فيها إلى بعض أفكاره وآرائه ، وعرّف على صفحاتها بقضيّة بلاده وبغيرها من القضايا . ولكن لم يكتب لهذه الجريدة طول العمر إذ لم تصدر منها إلا ثلاثة أعداد دعا من خلالها إلى فكرة "الجامعة الإسلاميّة". مطبوعات الازهار البارونيّة المتوفّرة بالمكتبة البارونيّة بجربة - 1ديوان سليمان الباروني الشّعري: ظهرت الطّبعة الأولى من ديوان سليمان الباروني سنة 1326ه/1908م بمطبعة الأزهار البارونيّة الّتي أسّسها بالقاهرة في الحبّانية بشارع محمّد علي بمصر. اشتمل هذا الدّيوان على ما يقرب من 80 مقطوعة منها المطوّلة و منها الأبيات المرتجلة و ذيّلها برسالتين تحتوي على تقريظات لأدباء مصريّين و ليبييّن ( ). الرّسالة الأولى: في 32 صفحة نشر فيها قصيدة من نخبة علماء زوارة و أدبائها منهم الشّيخ عربي بن رمضان و بعض زملائه المشايخ علي بن محمّد والسّنوسي بن محمّد وأحمد بن قدمور وغيره من الفضلاء وختمها بتهاني الدّستور الّذي منحه السّلطان العثمانيّ الغازي عبد الحميد خان حقنا للدّماء في 23 يوليو1908 م. الرّسالة الثّانية في 16 صفحة وهي جملة من التّقاريظ وردت عليه من أفاضل الأدباء تكريما لديوان شعره منهم: كريم اسماعيل باشا صبري وكيل الحقّانية و الشّيخ أحمد الفسّاطوي الأزهريّ و الشّيخ حسين الرّفاعي المحلاوي المدرّس بالأزهر الشّريف و الشّيخ سعيد الباروني و العلّامة شيخ طنطاوي الجوهريّ مؤلّف التّاج المرصّع و جواهر العلوم و الأديب قاسم أفندي الباروني و شقيقه الشّيخ يحيى الباروني. يشتمل الكتاب على 127 صفحة, مقاس الصّفحات 18*13. الكتاب تامّ، أوراقه منفصلة , به اهتراء في الحواف و ثقوب الأرضة. تمّت مقارنته بنسخة من جمع و ترتيب ابنته زعيمة سليمان الباروني الّتي قامت بنشر الجزء الأوّل والثّاني في 286 صفحة بمطابع دار لبنان للطّباعة و النّشر ببيروت سنة 1392ه/1972م. بمقاس 24*16.5 و بمعدّل 23 سطرا. - 2القسم الثّاني من كتاب الأزهار الرّياضيّة : ألّفه سليمان بن عبد الله الباروني النّفوسي. يختصّ هذا القسم بالحديث عن مدينة تيهرت و عن أئمّة بني رستم فيها, وبهامشها تعليقات حرّرها مؤلّف الكتاب. طبع بمطبعة الأزهار البارونيّة في 311 صفحة بمقاس: 23.5*15.5 و بمعدّل 21 سطرا. الكتاب تامّ ، أوراقه منفصلة و به ثقوب الأرضة. ملاحظة : صدر الجزء الثّالث من كتاب "الأزهار الرّياضيّة" أمّا الجزء الأوّل من الكتاب المطبوع في ليبيا فقد أحرقته السّلطات التّركيّة. رحل الشّيخ سليمان الباروني إلى الآستانة بعد الإصلاحات السّياسيّة النّاجمة عن انقلاب حركة "تركيا الفتاة" عام 1908 حيث انتخب عضواً في "مجلس المبعوثان" العثماني عن ولاية طرابلس عام 1910 ولمّا احتلّت إيطاليا ليبيا عام 1911 عاد فوراً إلى بلاده، وانضمّ إلى قيادة المقاومة. 3- حاشية في جزأين على الجامع الصّحيح مسند الامام الرّبيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي البصريّ المسند للإمام الرّبيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي البصريّ وهو من أئمّة المائة الثّانية للهجرة والحاشية للعلّامة نور الدّين أبي محمّد عبد الله بن حميد السّالمي ( 1332ه). طبع بمطبعة الأزهار البارونيّة سنة 1326ه/1908م على نفقة السّلطان فيصل بن تركي سلطان عمان (1305ه-13031ه/1888م-1913م) بمسقط. الجزء الأوّل: اشتمل على 48 بابا بعد مقدّمة الكتاب و ترجمة المرتّب أبي يعقوب يوسف بن ابراهيم و المصنّف الإمام الرّبيع ابن حبيب و شيخه أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة و شيخه أبي الشّعثاء جابر ابن زيد وعبد الله ابن عبّاس. يبتدأ الباب الأوّل بالنّية و ينتهي بالباب الثّامن و الأربعين بجامع الصّلاة. به 453 صفحة بمقاس 26*19. الجزء الثّاني: اشتمل على 23 بابا. يبتدأ بباب صيام شهر رمضان في السّفر و ينتهي بباب الدّعاء و فضيلته و ما جاء فى الحثّ على الدّعاء بذي الجلال و الإكرام. به 400 صفحة بمقاس 26*19 و بمعدّل 23 سطرا. أمّا الجزء الثّالث الّذي صحّحه و علّق عليه عز الدّين التّنّوخي عضو المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، فقد طبع على نفقة الأخوين سليمان و أحمد ابني محمّد السّالمي بالمطبعة العموميّة بدمشق سنة 1383ه/1963م. 4 - الجزء الثّاني من كتاب وفاء الضّمانة بأداء الأمانة : تأليف شيخ الإسلام الإمام محمّد بن يوسف المزابي سنة 1325هـ ( مطبعة الأزهار البارونيّة ) في 400 صفحة بمقاس 26*19 و بمعدّل 23 سطرا. اشتمل هذا الجزء على 29 بابا بأربعين حديثا لكلّ باب. يبتدأ بباب "أربعون حديثا في الحيوانات" و ينتهي بباب " أربعون حديثا جامعة". 5- قناطر الخيرات : الكتاب في ثلاثة أجزاء من تأليف الإمام العلّامة أبي طاهر اسماعيل بن موسى الجيطالي النّفوسي. طبع بالمطبعة البارونيّة الكائنة بحي ابن طولون بمصر على ذمّة ملتزمه الأستاذ محمّد الباروني و شركائه و قد وافق انتهاؤه شهر جمادى الثّانية سنة 1307ه. الجزء الأوّل: يشتمل على 4 قناطر: العلم ، الإيمان ، الصّلاة ، الصّوم و به 494 صفحة بمقاس 22* ;15 و بمعدّل 23 سطرا. الجزء الثّاني: يشتمل على 6 قناطر: الزّكاة ،أسرار الحجّ ، التّوبة و ما اشتملت عليه من الأبواب : الدّنيا ، الخلق ، الشّيطان ، و به 460 صفحة، بمقاس 22* 15 و بمعدّل 23 سطرا. الجزء الثّالث : يشتمل على 7 قناطر: النّفس ، العوارض ، الخوف و الرّجاء، العبادة، القوادح في الطّاعات، الحمد والشّكر. الاجتهاد و مخافة سوء الخاتمة ، به 566 صفحة، بمقاس 28*15 و بمعدّل 23 سطرا. ملاحظة : أعيد تصوير كتاب " قناطر الخيرات" في ثلاثة أجزاء من طرف وزارة التّراث القوميّ و الثّقافة بسلطنة عمان سنة 1403ه/1983م كما تمّ التّحقيق والتّعليق على القسم الأوّل الّذي يحتوي على قنطرتي العلم و الإيمان من طرف الدّكتور عمرو خليفة النّامي و طبع بمكتبة وهبة الكائنة ب 14 شارع الجمهوريّة بالقاهرة. يشتمل الكتاب على 406 صفحات بمقاس 24*17 و بمعدّل 22 سطرا. 6 - ديوان السّيف النّقّاد: الدّيوان من نظم الإمام ابراهيم بن قيس الحضرمي. طبع على ذمّة الملتزم سليمان الباروني بالمطبعة البارونيّة في شهر رمضان 1324ه ، به 160 صفحة ، بمقاس 24*16 و بمعدّل 20 سطرا. اهترأت أوراقه بسبب التّسوّس و حشرة الرّمّة. ملاحظة : أعادت نشره زعيمة سليمان الباروني في طبعة ثانية سنة 1393ه/1973م بدار لبنان للطّباعة والنّشر كما حقّقه الأستاذ بدر بن هلال بن حمّود اليحمدي و طبع بمطابع النّهضة بسلطنة عمان سنة 1324ه/2002م. 7 - شرح القصيدة النّونيّة المسمّى بالنّور لمؤلّفه العالم الشّيخ عبد العزيز المصعبي: طبع هذا الكتاب بالمطبعة البارونيّة الكائنة بمصر سنة 1306ه. القصيدة بها 180 بيتا، شرحها المصعبي على شرح العلّامة البدر التّلاتي المسمّى باللآلئ الميمونة على المنظومة النّونيّة للشّيخ أبي نصر فتح ابن نوح الملوشائي، به 536 صفحة، بمقاس 23*15 و بمعدّل 24 سطرا. 8 - الجزء الرّابع من كتاب الإيضاح في الشّفعة والهبة والوصايا : هذا الكتاب من تأليف الإمام الشّيخ عامر بن علي الشّمّاخي و بهامشه حاشية العلّامة الشّيخ عمر أبو ستّة القصبي، به 131 صفحة. طبع بالمطبعة البارونيّة في شهر رمصان المعظّم سنة 1309ه، بمقاس 23*15 و بمعدّل 25 سطرا. 9 - كتاب الوضع مع حاشيته وبهامشه حاشية الشّيخ محمّد أبو ستّة القصبي الكتاب من تأليف الإمام الشّيخ أبو زكرياء يحيى ابن الخير الجنّاوني. اشتمل على سبعة كتب : التّوحيد والطّهارات و الصّلاة و الصّوم و الزّكاة و الحجّ و المناسك و الإيمان. طبع بالمطبعة البارونيّة بمصر في غرّة ربيع الأوّل سنة 1305ه على ذمّة الشّيخ محمّد الباروني بمصر و شريكه الحاج سليمان بن مسعود بقسنطينة الجزائر، به 692 صفحة، بمقاس 23*17 و بمعدّل 24 سطرا. أهداف الدّراسة : تكمن أهمّية هذه الدّراسة في الكشف عن ازدهار الحركة العلميّة الّتي شهدتها مناطق الإباضيّة بالمغرب العربيّ ومشرقه من حديث وتفسير وفقه ولغة فقد استفادت النّهضة الفكريّة بجزيرة جربة من منشورات المطبعة البارونيّة السّالفة الذّكر والّتي تيسّر تداولها بين طلبة العلم فشهدت حركة علميّة نشيطة. اعتمدت في هذا البحث المتواضع على الكتب المتوفّرة بالمكتبة البارونيّة بجربة والّتي طبعت بالمطبعة البارونيّة بمصر. ركّزت خلال التّعريف بها على ذكر عناوينها ومؤلّفيها وتاريخ طبعها مع تحديد مقاس الكتاب طولا وعرضا ومعدّل السّطور في كلّ ورقة ثم وشّحتها بصورة للصّفحة الأولى لكلّ كتاب. في الأخير، هذا ما أمكن جمعه عن كتب مطبعة الأزهار البارونيّة المتوفّرة بالمكتبة البارونيّة بجربة ،احياء لتراثنا والمحافظة عليه. ظلّت هذه المطبعة تنشر العلم والثّقافة في الأوساط الإباضيّة وخاصّة في جبل نفوسة بالقطر اللّيبيّ، بجزيرة جربة بالجمهوريّة التّونسيّة وبقرى وادي ميزاب بالجزائر وهي وثائق تاريخيّة تقدّم صورة مشرقة للحركة العلميّة والفكريّة الّتي نعتزّ بها. جزيرة جربة في 30 رجب 1439/15 أفريل 2018